حاورة عبدالرحيم العرجان
العالمية ليست نجماً عالياً في السماء.
نحن كمصورين لدينا حاسة التقاط خاصة منفصلة عن عدسة الاميرا.
التخصص الفوتوغرافي بالشرق الاوسط يعاني من تقصير عام.
علي بن ثالث ... فنان، رياضي وقائد اداري،، وصل العالمية بعزم وطموح مجد، منتمي لوطنة وواعي لهدفة،، بخطوات مدروسة جاب غياهب البحار، واكتشف مكنونات لا نرى منها الا السطح، عوالم اخرى احتاجت لعلم واسع وثقة عالية.
كان لنا هذا الحوار .....
أنعم الله عليكم بالقدرة الجسدية المتطلبة لرياضة الغوص والدقة التصويرية لتوثيق صورة خالدة في مكنونات وأسرار لا يعرف موقعها إلا القليل، حدثنا عن هذا الثنائي من الهواية ؟
علاقتي مع هذا الثنائي الفريد والمعقّد بدأت منذ الطفولة حيث البحر كان من أقدم أصدقائي وأقواهم تأثيراً في تشكيل شخصيتي وطريقة تفكيري، المملكة البحرية بسحرها وجمالها وخطورتها وغموضها كانت تشكّل لي تحدياً ممتعاً، والغوص كان لغتي الأساسية في التخاطب مع هذا التحدي وكسر حدته. أما علاقتي مع العدسة فقد جاءت بعد ذلك، وجوهر العلاقة كان مبنياً على الاكتشاف البصري وسبر أغوار المحيطات بحثاً عن بديع صنع الله وآياته الجمالية العجيبة، بالإضافة إلى ما أسميه بـ”الصورة القضية” وهو التصوير الداعم للقضايا الإنسانية والاجتماعية وحتى البيئية.
درستم الفن الفوتوغرافي في أوروبا وتلقيتم بها العديد من الدورات وورش العمل، هذه الدراسة أهلتكم لبناء مشوار فوتوغرافي مليئ بالإنجازات المحلية والعربية والدولية، ما هي القيمة المضافة للدراسة في الغرب ؟ .. وكيف لنا أن ننقل هذه المعرفة بشكل أوسع؟
كل دولة زرتها خضتُ فيها تجربة دراسية مختلفة، فنحن كمصورين لدينا حاسة التقاط خاصة منفصلة عن عدسة الكاميرا، تؤهلنا للاستفادة من أبسط التفاصيل وصولاً لمقاعد الدراسة الجامعية وسواها. أنا أحصل على قيمة مضافة مع كل شخص ألتقيه وألاحظ تجربته الحياتية والفنية وموقفه من التحديات التي تواجهه. كي أكون منصفاً لا أستطيع أن أنسب نجاحي للدراسة في أوروبا بشكلٍ خاص، وإلا كان النجاح حليفاً لكل من درس هناك ! لكن من العدل أن أثمّن القيمة المعرفية والمهارية التي اكتسبتها في المدرسة الأوربية كونها تمتاز بالدقة والحداثة والاهتمام بالتفاصيل بالإضافة للتدريب العملي المكثف الذي لا يقبل إلا بأعلى مستويات الأداء.
أما بما يخص نقل المعرفة فالجائزة تلعب دوراً هاماً في ذلك عبر فعالياتها المختلفة، لكن هذا بالفعل لا يكفي للارتقاء بمستوى المصور العربي بالطريقة المثلى من حيث العقلية والمهارات والآفاق. هناك عدة مشروعات تحت الدراسة في هذا البند وأرجو أن ترى النور قريباً.
ما من دولة عربية إلا ومشرفة على إحدى المسطحات المائية الغنية بثروات الطبيعة المائية وكان لكم عدد من رحلات الغوص بها كما هي تجربتكم في العديد من الدول، أي الأعماق العربية سحرتكم؟ .. وما هو التفرد الذي وجدتموه بها؟
الدول العربية التي مارست الغوص فيها هي سلطنة عمان وجمهورية مصر العربية، البحر الأحمر الذي تطل عليه مصر من عدة أماكن خصوصاً في شرم الشيخ من أفضل مواقع الغوص في العالم. السر في ذلك وجود معيارين محققين هناك وهم: وضوح الرؤية، وأمنح فيه مصر 5 علامات من 5، ووجود المخلوقات البحرية النادرة، وأمنحها فيه علامتين ليصبح المجموع 7 من 10 وهذه نتيجة عالية جداً حسب المقاييس العالمية.
كل إنسان يكون سعيداً عندما يرى إنجازاته نالت حقها من المعارض، أو الجوائز أو حتى طباعتها على بوست كارد، أيها أقربها لقلبكم؟
عندما تكرّم الصورة، إنك إما تكرّمها في كتاب، أو معرض، أو جائزة. الأقرب لقلبي هو الكتاب لأنه الأطول عمراً والأشد أثراً.
يتطلب التصوير تحت الماء أدوات خاصة، وهناك اختلاف بينها وبين أدوات التصوير على السطح، هلا اطلعتنا على هذه الفروقات؟ .. وهل هي متوفرة في الوطن العربي بشكل كافي ؟
الاختلافات تشمل عدداً من العناصر منها تحمّل الضغط المائي ونوع العدسات وأنظمة الإضاءة، أما إذا كان السؤال يرمي لتحديد أنسب مواصفات الكاميرات لمن يود التصوير تحت الماء فهذا يعتمد على عدة عناصر:
1- المستوى الفني والمهاري للمصور
2- نوعية التصوير حسب طبيعة العناصر التي يستهدفها بكاميرته
3- عدد الغطسات المراد إنجازها
4- الميزانية المالية للمصور
من المؤكد أن أدوات التصوير لديها عمق نهائي لتعمل تحت الماء كم يبلغ؟ وماهو أقصى عمق التقطتم به صورة ناجحة؟
الصورة الناجحة لا ترتبط بعمق معين، لكن من حيث قدرة أدوات التصوير على الغوص فتبلغ حوالي 90 متراً. أما بالنسبة لي فأقصى عمق التقطت فيه مجموعة من الصور المميزة هو 50 متراً.
قد يكون من أهم الخبرات والمعارف للتصوير تحت الماء هو كيفية التعامل مع الضوء هناك، خصوصاً كلما غصنا أكثر، وكذالك العوالق في الماء وطبيعة الألوان، والتيارات المائية، ماهي التكنيكات الخاصة لذلك والأدوات المطلوبة؟
التكتيكات يطول شرحها لكن بشكلٍ موجز أقول أن اللون الأحمر هو من الألوان المظلومة مائياً إذا أنه يبدأ يفقد حرارته اللونية بعد عمق قدمين فقط، أما اللون الأزرق فيحافظ على رونقه تحت أي عمق. الماء يمتص الضوء بدرجة كبيرة وشفافيته تعتمد على عدة عوامل منها العوالق الصغيرة. أما نفاذ الضوء خلال الماء فيعتمد على زاوية إسقاط الضوء على المسطح المائي. أنصح المصورين تحت الماء بعدة أمور منها تقليل المسافة بين الكاميرا وموضوع الصورة، والتقاط الصورة على نفس المستوى الأفقي معها، بالإضافة للاقتراب من المخلوقات البحرية بشكلٍ مدروس وإظهار أعينها بدقة ووضوح في الصورة الملتقطة.
رياضة الغوص محفوفة بالمخاطر، فكيف لو اقترن بها التصوير أيضاً، وما يتطلب من توافق عضلي فكري، فأكيد كان لكم بعض التجارب التي لا تنسى، هلا حدثتمونا عن شئ منها وما طبع بالذاكرة ؟
خلال إحدى رحلات الغوص كان على قائمتي للتصوير حوالي 15 كائناً بحرياً، وكان حصان البحر الأبيض الصغير من أكثرها ندرة في الظهور، وفعلاً لم يظهر إلا عندما كان معدّل الأوكسجين لديّ 50 بار فقط ! وهي الكمية الامنة للرجوع للقارب مع فترة وقفت السلامة . أرسلت إشارة لأحد المدربين بالبقاء بجانبي ثم نسيت نفسي مع حصان البحر والكاميرا إلى أن نفذ مني الأوكسجين تماماً ولم أجد المدرب بجانبي ! اضطررت للسباحة بلا أوكسجين باسرع ما اوتيت من قوة الي اقرب غواص وقد كان في بعد 12 متر تقريبا
التصوير تحت الماء يشابه بفكرته التصوير على اليابسة، فأيها أكثر يشدكم، الطبيعة المائية ، المخلوقات، أم ما خلفتة البشرية من حطام غائر تحت البحر؟
من الصعب حصر العناصر التي تشد انتباه كاميرتي، فالحياة في الأعماق المظلمة لها رونق خاص يثير شهيتي باستمرار ولا أستطيع مقارنته بشيء آخر، وهذا يشمل كل مكوّنات الأعماق من طبيعة خلاّبة ومخلوقات نادرة وأسرارٍ لا تنتهي. الغموض هو عنوان رئيس للأعماق وهذا يكثّف دوماً حجم الإثارة الذي ينتظرني في الأسفل.وعلميا ماتم اكتشافه الى يومنا هذا في هذه المصطحات المائية الشاسعة ماهو الا ما نسبته 8 بالمئة فلك ان تتخيل اخي العزيز كمية الاشياء التى لم تكتشف بعد
بشكل عام ما هي نظرتكم للتخصص الفوتوغرافي؟
يكتسب أهمية إضافية كل يوم، بل كل ساعة، دور هذا التخصص يتضخّم مع تصاعد تأثيره والحاجة له وثرائه بالتفاصيل الدقيقة. الصورة عنصر يومي مرتبط بالحياة اليومية لذا فالتخصص فيه أمرٌ في غاية الأهمية. في بعض الدول الغربية وفي شرق آسيا لديهم الاهتمام العادل بهذا النوع من التخصص ويحظى هناك بالاحترام الذي يتناسب مع حجم صناعة التصوير الضوئي حول العالم. في الشرق الأوسط هناك تقصيرٌ عام وهذا يرجع لأسبابٍ يطول حصرها، وعلى هذا المستوى سعيد بأن دبي باتت المركز الأهم لكل عشاق الصورة ومحترفي العدسة المستديرة، هذا لا يعني أننا في المستوى المطلوب ! لكننا نسعى بجد للوصول له قبل الجميع.
أنتم من القلة الذي شاهد بأم عينه نتائج التلوث والمخلفات البشرية وتراكمها تحت الماء، فماذا تقولوا لهذه الفئة غير المسئولة ؟
من غير المنطقي أن أوجّه اللوم لكل ذوي السلوكيات الضارة بالبيئة، إذ أن نسبة عظمى منهم يرزحون تحت وطأة الجهل ! لذا لا يدركون نتائج أفعالهم وأنها ستعود عليهم بالضرر الكبير طويل المدى. المسؤولية الكبرى هنا تقع على عاتق الجهات التوعوية التي يجب أن تؤدي دورها كما ينبغي ليعرف كل فردٍ مسؤولياته ونتائج سلوكياته، بعد ذلك يمكننا الحديث عن المحاسبة ودراسة العقوبات المناسبة والتشريعات النموذجية للحفاظ على البيئة.
في نهاية حديثنا معكم نتقدم لكم بالشكر باسم أسرة مجلة عرجان الفوتوغرافية نبارك لكم جائزة القيادة في التصوير الاحترافي من الأمم المتحدة، فماذا توصوا كل مبدع حتى يصل إلى العالمية، وكلمتكم لقيادتكم الحكيمة في الإمارات العربية المتحدة
أشكركم جزيلاً لإتاحة هذه الفرصة لي للتحدّث من منبركم المميز لزملائي وزميلاتي المصورين، من يشعر من صميم قلبه وعقله أنه مبدع يجب أن يؤمن أن العالمية ليست نجماً عالياً في السماء ! قد تكون تجلس بجانبه أو في البيت المجاور ! لكنه يجب أن يعمل بجهد وجدية وبمنظومة يومية لا تتوقّف كي يكون مستعداً للقائها في أي وقت.
القيادة الحكيمة لدولة الإمارات العربية المتحدة هي السبب الجذري للحالة الريادية التي تعيشها الدولة وأبناؤها في كل المجالات وعلى جميع الأصعدة، تلك القيادة التي زرعت فينا شغف الفوز والارتباط بمنصات التتويج واحترام الجميع والتكاتف والاتحاد لمواجهة التحديات، أهديهم باسمي وباسم كل مواطن إماراتي شهادة عرفان وامتنان لأنهم أحبوا شعبهم بصدق وفتحوا له آفاق التطور والارتقاء على مصراعيها.