سحر الضوء وجمال الحزن - قراءة نقدية للاستاذ الدكتور اياد الحسيني
تاريخ الاضافة:الجمعة 09 أيلول / سبتمبر 2016 06:43 صباحاً عدد الزيارات:4188هادي النجار
سحر الضوء وجمال الحزن
عرب فوتو
قراءة نقدية للاستاذ للدكتور الدكتور اياد الحسيني
تختزل اعمال الفنان هادي على مستوى البنية الظاهرية شقاء السنين وايامها المترفة بالحزن والالم والحنين الى الماضي، لتفصح عن المدينة السفلى التي تستوطنها فئات كثيرة من البشر المنسيين في حنايا الظلمة، قاع المدينة ذاك اكتنز الاف القصص والحكايات والذكريات، لهموم وافراح وعلاقات ترويها لنا، جدران ونوافذ واثاث وبقايا شجرة او منزل ...
واصوات مازال صداها يتردد منذ سنين وان طوت الأيام أصحابها.
لكن هادي مازال مفعم بذلك الحوار الخفي بين الانسان والالم والقسوة، انه حزن الانسان الأصيل، فكل الأنبياء ذاقوا مرارة الحزن ليس خوفا من مصائب الحياة وانما خوفا من يأسها، فالحزن هنا وهج النفس المشتعلة بنور الخالق وزيت الحقيقة، الذي يبعث فينا التوازن النفسي والعاطفي، فيعيد المبدعون قراءته من جديد، ليس حرصا على الماضي وانما استحضارا لأولئك الذين انغمست ايامهم بالألم والدموع، انهم سكان مدينة في كل
الاوطان مهما اختلفت اعراقهم، حيث لا يجمعهم الا الوجع الإنساني المشترك المثقل بالهموم.
من الواضح تمامًا أن المكان ككيان مميز في اعمال الفنان هو دراسةٍ ظاهراتيةٍ لقيمِ تقدس الالفة من الداخل كوحدة بنيوية بكل تعقيداتها، وتسعى
إلى دمج العديد من القيم النبيلة بقيمة واحدة أساسية. فهو لا يغادر تلك
الأمكنة حتى بعد ان هجرها أهلها غير آبه بكل صور الثراء للحياة العصرية التي زيفت الوانها حقيقة الانسان وسترت جوهره، كما تزيف عدة التجميل كثيرا من الوجوه.
وقد أدرك الفنان على المستويين الفني والتقني بمهارة عالية كيفية بناء النموذج الفني للصورة وانساقها الفكرية وتحقيق بنائها الذاتي واجراءاتها المنهجية. وهي ان حقيقة الصورة الضوئية أكبر من ان تقتبس من فنون أخرى او تتستر تحت تقنيات حديثة رغم امتلاكها بيسر. انه يريدها نقية. صادقة. صريحة ومعبرة تتحدث بأعلى صوتها، كما هو حال مكوناتها ومفرداتها. وهو بذلك انما يلغي المسافة بين الشكل والمضمون اللذان طالما فلسفا العمل الفني واقاما جدليته، فالشكل لديه يصنع معناه.
لا اشك ان كل ادواته مهمة، غير انه أدرك سحر الضوء وفلسفته وقدرته على البوح بالكثير مما اعتلج في عدساته، حتى لم يعد للون عنده قيمة، فهو لم يكن يصور الأماكن ويوثقها كما هو ظاهر، وانما كان يقتنص بالضوء لحظات الزمن قبل هروبها. تلك اللحظات الغارقة بالمعاني والدلالات.
منذ ان اعتمد الفنان مازاتشو -1426-1427 الظلال في الرسم ارتبط الشعور بواقعتيها وعمقها وتأكدت حقيقة الابعاد في الاجسام سواء في الصورة الضوئية او الرسم فاين يمكننا ان نضع اعمال هادي في واقعيته التعبيرية بعد هذا الزمن البعيد، ونحن في عصر أساليب الحداثة -المفاهيمية وما بعدها – في كل الفنون ومنها الصورة الضوئية؟ لقد توقف الزمن لدى هادي النجار في تلك الأماكن ولم يعد يعنيه كل اللحظات التي جاءت بعدها، لقد سحره تأمل ذلك الخطاب الإنساني والمعضلة التي يكتنفها، وصدقه العميق الذي لم يألفه في ازمنة أخرى.
ان مثل هذه التجربة تكتسب قيمتها الفكرية والجمالية من خلال تكوينها كنسق في جوهر اسئلة العصر ومنجزاته الحضارية التي تنادي بحرية الانسان وحفظ كرامته، وذلك من شأنه كشف زيف ادعاءاتها وفضح حقيقة المعاناة الانسانية التي تعيشها المدن السفلى.