كربلاءات المغتربين
تاريخ الاضافة:الاثنين 21 تشرين ثاني / نوفمبر 2016 08:11 صباحاً عدد الزيارات:3985كلام مسموع
كربلاءات المغتربين
خاص لعرب فوتو
الشاعر العراقي حسن النوّاب - استراليا
الصور بعدسة الفنانة نجاة الفرساني - البحرين
آه لو كنت معنا عزيزي القارىء في قارة استراليا الآن ، حتى نشترك سوية بالشعور المقدس الذي يصاحبنا هذه اللحظات وأنت تسمع وترى معنا صيحات أنصار الإمام الحسين "ع " وهي تنطلق بشجن وحزن عراقي أصيل من الجوامع والحسينيات في أستراليا مرددة بصوت مشبع بالخشوع والمحبة لبيك ياغريب .. ياحسين يامظلوم ، أجل إنها لحظات غارقة بالطهر والتسبيح وذرف العبرات الحارة على شهيد كربلاء ..وبقدر ماتحمل ذكرى واقعة الطف من دروس في الصبر والشجاعة والإباء والتضحية والتي تراها ساطعة بوضوح على وجوه العراقيين المغتربين تحمل هذه الذكرى المقدسة أيضا براهين الاعجاب والدهشة والاحترام الجليل من قبل الشعب الأُسترالي بإختلاف أعراقه وأطيافه ، فترى أنّ الأُستراليين يراقبون هذه الذكرى وهم بذهول ؛ حين يتابعون طقوسنا الحسينية ويتساءلون عن السر في بقاء ذكرى واقعة الطف خالدة في النفوس برغم وقوع فجيعتها قبل أكثر من ألف سنة ، ولا تندهش حين ترى بعض النسوة الأُستراليات يحضرن مجالس العزاء بملابس سوداء محتشمة لمشاركة النسوة العراقيات هذا المصاب الجلل ، بل عرفنا أن بعضهن دخلن الإسلام نتيجة المعايشة لهذه المراسيم الحسينية ، وأن الأُسترالين صاروا يدركون تماما ؛ أن ذكرى عاشوراء قد أقبلت من جديد وان قارتهم ستصبح لعشرة أيام أرضا مفترضة لكربلاء ، حين يشاهدون أفواج المغتربين العراقيين وهم يرتدون الملابس السود ويتزنر بعضهم بوشاح أخضر ، وأن ثمة بيارق بألوان سود وخضر وحمر ترفرف على سطوح العراقيين ويافطات مكتوب عليها "حسين مني وأنا من حسين " مرفوعة على أبواب المساجد والحسينيات.. ذات نهار عاشورائي جمعت المناسبة عائلتي مع فتاة عراقية نجيبة ، جاءت لمدينة بيرث الأُسترالية لمزاولة عملها ؛ وكانت المناسبة دعوتها لتناول غداء " التمن والقيمة " بمناسبة ذكرى عاشوراء ، وقد جاءت بصحبة فتاة أُسترالية شقراء بعيون زرق وترتدي ملابس إسلامية سوداء ، ولما سألتها هل أن صديقتها توشّحت بالسواد حتى تتعاطف معنا وتشاركنا الأحزان بفجيعة سيد الشهداء "ع" اخبرتني ان صديقتها الأُسترالية أسلمت بعد اقترانها برجل مسلم من الصومال ، ثم استدركت قائلة لكنها انفصلت عنه الآن ولما سألتها عن السبب ، أجابت العراقية قائلة ، لقد اكتشفت صديقتي بعد شهور من زواجها أن بعلها ماعاد يمارس طقوس الصلاة ، فطلبت منه الانفصال لكنها ظلت متمسكة بإسلامها وهاهي جاءت معي لتشاركنا في مصاب عاشوراء ، اقشعر جلدي حين سمعت ذلك وحين نظرت الى الفتاة الإسترالية التي كانت تبسمل بشكل خافت قبل أن تمد يدها على آنية طعام الحسين ، شعرت أن لغة الكلام قد هربت من لساني وثمة دمعة اشتعلت على ضفاف عيني لكنها انهمرت ثقيلة من عيون زوجتى التي نهضت وقبلت الفتاة الأسترالية وهي تردد .. ما أقوى أيمانك ايتها الأخت المسلمة .. يعتقد الكثيرون أن الأجيال التي ولدت وترعرعت في بلاد المهجر من العوائل العراقية ، قد أضلّت دربها وتاهت في مغريات وإغراءات الظواهر الغربية ، غير أن دخولك الى مسجد مريم في مدينة بيرث ، سيرغمك على التراجع عن تلك الفكرة السيئة التي تصورتها عن جيل العراقيين الجديد في بلدان المنافي ومنها أُستراليا ، إذْ سترى أن جميع الأطفال والشبان يرتدون ملابس الحداد ويشدون رؤوسهم بعصابة خضراء أو سوداء مكتوب عليها شباب القاسم بن الحسن ، او شبان علي الأكبر ، وتراهم بحماس يوزعون الماء والشاي وأواني الطعام على الوافدين الى المسجد ، ويقفون صفوفا كما لو أنهم ملائكة من درّ مكنون ؛ يؤدون الصلوات ، وثمة نور آخاذ يشع من وجوههم وتسمع أصواتهم التي تهتف سبيل ياعطشان .. وشاي أبو علي ، وتشعر كما لو أنك على ارض كربلاء في تلك اللحظات ولست تعيش في قارة بعيدة اسمها أستراليا .جارتنا اليونانية تنتظر عودة ذكرى عاشوراء بفارغ الصبركل عام ، لأنها تقول أن الطعام الذي توزعونه في هذه المناسبة لم أتذوق أشهى منه في حياتي ، وتعني " التمن والقيمة " وهذه الجارة اليونانية صارت مع مرور السنوات تقدم لنا المعونة حين نشعل المواقد المباركة في حديقة الدار لطبخ "زاد ابو علي" وتراها مبتهجة وسعيدة وهي تحرك المغرفة في قدر القيمة وتشم بمتعة رائحة البهارات المنبعثة منها ، ولك أن ترى ذلك المشهد الحسيني الرائع الذي يدع الدمع الكربلائي يزدحم في عينيك شغفا بحب الحسين "ع" حين تبدأ العوائل العراقية ومنهم زوجتي وأطفالي بحمل أواني " زاد أبو علي" على الرؤوس بغية توزيعه على العوائل الأُسترالية المجاورة لنا أو على المستطرقين من أمام باب الدار ، كما أن هناك طقس آخر ألا وهو طبخ " شلة زين العابدين "ع" والتي تتألف من بقوليات متنوعة مع خضراوات مضافة لها بعض البهارات ، ووجبة الطعام هذه ؛ مستمدة فكرتها ؛ من واقعة الطف حين اضطر الإمام السجاد "ع" لجمع الأعشاب والحصى من البرية حتى يعد وجبة طعام للسبايا في طريقهم الى الشام ، كل هذه الطقوس الحسينية تراها حاضرة بقوة هنا في أستراليا في ذكرى واقعة الطف .. الرايات تخفق بذكرى الشهادة والحناجر العراقية المغتربة تردد من الجوامع والحسينات والبيوت .. وا حسين .
في الطريق الى كربلاء - الصور بعدسة المصورة نجاة الفرساني - البحرين